مقال ستبقى شمس لغتي مشرقة
بقلم الإعلامية/ طيبة علي الغيلان
لا أظن لغة من اللغات كثر فيها الجدل على امتداد عصورها التاريخية كاللغة العربية.
أشار تقرير صادر عن اليونسكو أن اللغة العربية تُصنف ضمن المرتبة الثالثة بين اللغات الأصعب عالميًا عند المتعلمين بعد اللغة الصينية واليابانية.
وكما هو معروف أن للعربية كلمات قليلة جداً مشتركة بين اللغات الأوروبية، وأشكال حروفها وتشابهها يجعلها من أصعب اللغات. وقد شاع في أوساط المتعلمين أن اللغة العربية لغة صعبة "القواعد النحوية"، وعرة المسالك، وأن قواعدها تفوق في صعوبتها صعوبة اللغات الأخرى، حتى أصبح الحديث والكتابة بلغة أجنبية عند كثير من شبابنا المثقف أيسر وأسهل من الحديث بالعربية الفصحى، وأن احساس هؤلاء بالذنب عندما يخطئون في اللغة الاجنبية يفوق كثيرًا احساسهم بالذنب عندما يخطئون في لغتهم الأم.
أرى أن صعوبة قواعد العربية أمر مبالغ فيه، وأكبر الظن أنه أتانا من الأجانب غير الناطقين بها الذين تعلموا لغتنا أو حاولوا دراستها فوجدوا فيها اختلافًا عما ألفوه في كلامهم من طرق وعادات، ناهيك عما خالفت فيه العربية اللغات الأخرى في النظرة إلى حقائق الحياة، وشؤون الكون، فالشمس مثلًا مؤنثة عند العرب مذكرة عند الأسبان، والقمر مذكر عند العرب مؤنث عندهم، ونحو ذلك من اختلافات تتخطى قواعد اللغة إلى تصورات الإنسان، وما درج عليه في حياته أو ورثه عن أسلافه. أما العربي الذي نشأ في بلد العروبة فإن الصعوبة لديه قليلة لأن أكثر الكلمات في العامية ذات أصول فصيحة. ويكاد يكون "الإعراب" هو المشكلة الوحيدة أمام العربي، ولكنها ليست مشكلة مستعصية، إذ يستطيع الإنسان التغلب عليها بدراسة أساسيات اللغة والإكثار من قراءة النماذج الصحيحة من النصوص، فإذا ألم الإنسان بخيوط الإعراب الأولى أوشك أن يطوع لسانه وقلمه للغة سليمة. وإذا وازنا بين العربية واللغات الأجنبية التي يقبل عليها شبابنا هذه الأيام إقبالا عجيبًا وجدنا أن تلك اللغات لا تخلو من عقبات لا يستطيع أبناؤها التغلب عليها إلا بصعوبة بالغة. فمشكلة الهجاء في الانجليزية والفرنسية والألمانية من أشد المشكلات صعوبة، وخاصة لدى صغار المتعلمين، وقد شاهدناهم هناك يقيمون المباريات بين هؤلاء في تهجي كلمات معينة يحتوي بعضها على حروف كثيرة تُكتب ولا تُنطق.
أما تصريفات الأفعال في بعض اللغات الأوروبية كالفرنسية والأسبانية فلا تكاد تنضبط إلا لعبقري لتعدد أنواعها، وكذلك الحال في الزمن وأنواعه، ووظائف حروف الجر، وغير ذلك من مشكلات ربما تفوق مشكلة الإعراب بمراحل كثيرة. إن مقولة: "أن اللغة العربية من أصعب اللغات" ليست صحيحة، وتوشك أن تكون إشاعة مغرضة وجاهلة، فاللغة العربية لأبنائها سهلة جميلة، بسيطة بساطة العربي في صحراء الجزيرة.